rewaqi.com

المعرفة فن، لكنّ التعليم فن آخر قائم بحدّ ذاته.

عندما تداعب شمس الصباح خصيلات ياسمينك الأبيض!!

أعرف أنني قد قصرت بحقك يا فاكهة عمري، صمت كثيرا عن مناولتك أقراص السكّر، وكأس ماء ( الستانلس ستيل ) آناء الليل وأطراف الصباح، وغاب عني، بل غيبتُ عني تحضير إفطار لك قبيل صلاة الضحى، ضيعتُ ابتسامتي في وجهك منذ زمن، وسرقت مني الأيام المظلمة بشهورها الحالكة السواد كل التفاصيل الدقيقة لروعة الحياة تحت ظل جفنيك..
أمي، يا وجعي، أراك الآن تجلسين عند باب الدار، وتمسكين بمسبحتك التسعينية يا وقار الثمانين، تمسكين بها وتلاطفين حباتها الصغيرة التي ما ملتك يوما، فأنا أعرف أن العلاقة بينكما الآن علاقة عشقية خالصة، فيها الوفاء وفيها كل المعاني الإنسانية الصادقة، تداعبينها بأصابعك، وتداعب خيوط الشمس المتخللة أغصان الزيتون كل خصلة من خصيلات ياسمينك الأبيض.
أمي، يا قاموس عمري، أكتب إليك مجبولا بكل الآلام والأفراح، بكل مفردات الشوق وحروفه، أكتب إليك ورفيقة الدرب على مقربة مني وأكثر، تقرأ ما أكتب، ومع كل حرف تذرف دمعة على فراق غاليتها، تسح من الدموع ما جعلني أنا الآخر لا أقوى على الصمود أمام عينيها الغارقتين بكل صرخات القهر، لتختلط دموعي بدموعها، فتبكي هي أمها الراحلة، وأبكيك أنا يا صاحبة الجفنين اللذين أتعبتهما مرارة الفراق.
أمي، يا من تهبين فاكهة الشتاء دموع عينيك، وتسقينني زهرة عمرك، وتطعمينني حتى آخر ضحكاتك، يا قنديل سمائي يا أمي، يا تعب سنيّ عمري، يا صاحبة الخرقة نقية البياض والطهارة، أمي أيتها المغلفة بثوب يحكي قصة وطن، أيتها المغلفة بثوب محبوك برحلة عشق دامت ثلاثة أرباع القرن وأكثر.
أمي، يحاصرني الشوق إليك من كل ناحية، ويقتحمني الحنين إليك في كل جوانحي، ويطوقني خيالك المرسوم على لوحات زمني الضائع في بعده عنك. وما زالت أوراق أشجاري - يا غالية - يابسة، وربيعي صحراء جافة حتى من رمالها، ولا أظن بأن شتائي القادم قادم إلا بحضرتك..

تحايلت طويلا على وجعي لكنني لم أفلح يا ست الكل!