rewaqi.com

المعرفة فن، لكنّ التعليم فن آخر قائم بحدّ ذاته.

قمرٌ شاحبٌ

نسيت يومًا أن أقبّل عينيها نيابة عني قبيل الرحيل، وغابت الدموع أيضا بالنيابة عني، ونسيت أيضا أن أهمس بأذنها بأنني أحبك حد الجنون، كما لو أحب نفسي وربما أكثر. كنت في كل مرة أسمع سؤالًا منها أذوق فيه طعم المرار، وأشعر بتلك الغصة التي تخرج من داخلها وهي ترتب كلمات السؤال كما لو أنها ترتب فراش أمي للنوم، لرحيلها الأخير عنّا...

عاشت جنون الصيف، وغرقت في بعثرة برودة الشتاء، فالتحفت لسعاته وقاية منه، وسهرت مع القمر الشاحب شحوب آخر أيامها، أقصد كل سني عمرها، سهرت معه كأنه الوحيد الذي عرفته في دنياها التي لم تطل عليها يوما بابتسامة تثلج صدرها. وكل حياتها كانت خيال انتصار أسود قاتم يبحث عن رقصة أخرى من رقصات وجع الانكسار التي لازمته أربعة عقود وأكثر.

فراقها قتلني، حوّلني إلى قطع أوّليّة، بعثرني، ومشيت منذ تلك اللحظة أفتّش عن نفسي، فلم أجد منها شيئًا سوى مهد حركة وربما سكون يشبه طفلًا لم يتجاوز السّنتين من عمره، ضائعًا في دنياه ضياع بقيّة قبيلة في قلب صحراء عربيّة، لا شيء في مدى أعينهم سواها.

وصلت حدًّا أرتعب فيه من الوقوف بحضرة طيفك، وأشعر بالخجل عندما أرى كل تلك الابتسامة وهي تغطّي ثغرك وأنت تنظرين إليّ، فكلّ ما فيك غروب شمس فوق سطح ماء دافئ دفء قلبك، رغم ما ثَقُلَ به هذا القلب من هموم حياة مليئة بالأمراض.

كل الأشياء هنا تبدو على غير صورتها الحقيقية ، فالحقيقة في غالب حضورها تكون مؤلمة موجعة وربما قاتلة، لكنّها هنا تنكيل بعد الموت،،،، وأكثر.